[/b]زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
________________________________________
خديجة بنت خويلد
سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية
عائشة بنت أبي بكر الصديق
حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
أم سلمة بنت أبي أمية
أم حبيبة بنت أبي سفيان
ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية
زينب بنت جحش الأسدية
زينب بنت خزيمة
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة
صفية بنت حُيّي بن أخطب
ريحانة بنت شمعون بن زيد
________________________________________
خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأول من صدقت ببعثته مطلقا
قال الزبير بن بكار: كانت تدعى قبل البعثة الطاهرة، وأمها فاطمة بنت زائدة قرشية من بني عامر بن لؤي، وكانت عند أبي هالة بن زرارة بن النباش بن عدي التميمي أولا، ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ثم خلف عليها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هذا قول ابن عبد البر ونسبه للأكثر.
وعن قتادة عكس هذا: إن أول أزواجها عتيق، ثم أبو هالة، ووافقه ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، وهكذا في كتاب النسب للزبير بن بكار، لكن حكى القول الأخير أيضا عن بعض الناس.
وكان تزويج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خديجة قبل البعثة بخمس عشرة سنة، وقيل أكثر من ذلك، وكانت موسرة، وكان سبب رغبتها فيه ما حكاه لها غلامها ميسرة مما شاهده من علامات النبوة قبل البعثة، ومما سمعته من بحيرى الراهب في حقه لما سافر معه ميسرة في تجارة خديجة.
وولدت من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أولاده كلهم إلا إبراهيم ، وقد ذكرت في ترجمة كل منهم ما يليق به، وقد ذكرت عائشة في حديث بدء الوحي ما صنعته خديجة من تقوية قلب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لتلقى ما أنزل الله عليه فقال لها: لقد خشيت على نفسي، فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدا وذكرت خصاله الحميدة، وتوجهت به إلى ورقة، وهو في الصحيح.
وقد ذكره ابن إسحاق فقال: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به فخفف الله بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه، فيرجع إليها إلا تثبته وتهون عليه أمر الناس.
وعند أبي نعيم في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان جالسا معها إذا رأى شخصا بين السماء والأرض فقالت له خديجة: ادن مني فدنا منها فقالت: تراه قال: نعم قال: أدخل رأسك تحت درعي ففعل، فقالت: تراه قال: لا قالت: أبشر هذا ملك إذ لو كان شيطانا لما استحيا.
ثم رآه بأجياد فنزل إليه وبسط له بساطا، وبحث في الأرض فنبع الماء فعلمه جبريل كيف يتوضأ فتوضأ، وصلى ركعتين نحو الكعبة، وبشره بنبوته، وعلمه: اقرأ باسم ربك ، ثم انصرف فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال: سلام عليك يا رسول الله، فجاء إلى خديجة فأخبرها فقالت: أرني كيف أراك فأراها فتوضأت كما توضأ، ثم صلت معه، وقالت: أشهد إنك رسول الله .
قلت: وهذا أصرح ما وقفت عليه في نسبتها إلى الإسلام، قال ابن سعد كانت ذكرت لورقة ابن عمها فلم يقدر فتزوجها أبو هالة، ثم عتيق بن عائذ، ثم أسند عن الواقدي بسند له عن عائشة قال: كانت خديجة تكنى أم هند، وعن حكيم بن حزام أنها كانت أسن من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بخمس عشرة سنة.
وروي عن المدائني بسند له، عن ابن عباس أن نساء أهل مكة اجتمعن في عيد لهن في الجاهلية فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء مكة إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد فمن استطاع منكن أن تكون زوجا له فلتفعل، فحصبنه إلا خديجة، فإنها عضت على قوله، ولم تعرض له.
وأسند أيضا عن الواقدي من حديث نفيسة أخت يعلى بن أمية قالت: كانت خديجة ذات شرف وجمال فذكر قصة إرسالها إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وخروجه في التجارة لها إلى سوق بصري فربح ضعف ما كان غيره يربح، قالت نفيسة : فأرسلتني خديجة إليه دسيسا أعرض عليه نكاحها فقبل، وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، فولدت له القاسم وعبد الله، وهو الطيب وهو الطاهر سمي بذلك لأنها ولدته في الإسلام، وبناته الأربع وكان من ولدته ستة.
وكانت قابلتها سلمى مولاة صفية، وكانت تسترضع لولدها، وتعد ذلك قبل أن تلد، ثم أسند عن عائشة أن الذي زوجها عمها عمرو؛ لأن أباها كان مات في الجاهلية.
قال الواقدي: هذا المجمع عليه عندنا، وأسند من طرق أنها حين تزويجها به كانت بنت أربعين سنة، وقد أسند الواقدي قصة تزويج خديجة من طريق أم سعد بنت سعد بن الربيع عن نفيسة بنت منية أخت يعلى قال: كانت خديجة امرأة شريفة جلدة كثيرة المال، ولما تأيمت كان كل شريف من قريش يتمنى أن يتزوجها، فلما أن سافر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في تجارتها، ورجع ربح وافر رغبت فيه، فأرسلتني دسيسا إليه فقلت له: ما يمنعك أن تزوج فقال: ما في يدي شيء فقلت: فإن كفيت ودعيت إلى المال والجمال والكفاءة قال: ومن؟ قلت: خديجة فأجاب.
وفي الصحيحين عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ، وعند مسلم من رواية عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن علي أنه سمعه يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران .
وعنده من حديث أبي زرعة سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: أتاني جبريل فقال: يا رسول الله هذه خديجة أتتك ومعها إناء فيه طعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربها السلام ومني... الحديث.
قال ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قالا: جاءت خولة بنت حكيم فقالت: يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلة لفقد خديجة، قال: أجل كانت أم العيال وربة البيت... الحديث وسنده قوي مع إرساله.
وقال أيضا: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن عبد الله بن عمير قال: وجد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على خديجة حتى خشي عليه حتى تزوج عائشة .
ومن مزايا خديجة أنها ما زالت تعظم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وتصدق حديثه قبل البعثة وبعدها، وقالت له لما أرادت أن يتوجه في تجارتها: إنه دعاني إلى البعث إليك، وذكر أيضا أنها قالت لما خطبها: إني قد رغبت فيك لحسن خلقك وصدق حديثك، ومن طواعيتها له قبل البعثة أنها رأت ميله إلى زيد بن حارثة بعد أن صار في ملكها فوهبته له -صلى الله عليه وآله وسلم-، فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام، حتى قيل: إنه أول من أسلم مطلقا.
وأخرج ابن السني بسند له، عن خديجة أنها خرجت تلتمس رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بأعلى مكة، ومعها غذاؤه، فلقيها جبريل في صورة رجل فسألها عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فهابته، وخشيت أن يكون بعض من يريد أن يغتاله، فلما ذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لها: هو جبريل، وقد أمرني أن أقرأ عليك السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
وأخرجه النسائي والحاكم من حديث أنس: جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: إن الله يقرأ على خديجة السلام، فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله .
وفي صحيح البخاري عن علي رفعه: خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة ويفسر المراد به ما أخرجه ابن عبد البر في ترجمة فاطمة عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عاد فاطمة وهي وجعة فقال: كيف تجدينك يا بنية؟ قالت: إني لوجعة، وإنه ليزيد ما بي مالي طعام آكله، فقال: يا بنية ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت: يا أبت فأين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها .
فعلى هذا مريم خير نساء الأمة الماضية، وخديجة خير نساء الأمة الكائنة، ويحمل قصة فاطمة إن ثبتت على أحد أمرين: إما التفرقة بين السيادة والخيرية، وإما أن يكون ذلك بالنسبة إلى من وجد من النساء حين ذكر قصة فاطمة .
وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على خديجة ما لم يثن على غيرها، وذلك في حديث عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوما من الأيام، فأخذتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزا قد أبدلك الله خيرا منها، فغضب ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء، قالت عائشة فقلت في نفسي لا أذكرها بعدها بسبة أبدا .
أخرجه أبو عمر أيضا، رويناه في كتاب الذرية الطاهرة للدولابي من طريق وائل بن أبي داود، عن عبد الله البهي، عن عائشة وفي الصحيح عن عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة، فقال: فذكرت له يوما فقال: إني لأحب حبيبها .
قال ابن إسحاق: كانت وفاة خديجة وأبي طالب في عام واحد، وكانت خديجة وزيد صدقا على الإسلام، وكان يسكن إليها، وقال غيره: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح، وقيل: بأربع، وقيل: بخمس.
وقالت عائشة ماتت قبل أن تفرض الصلاة، يعني قبل أن يعرج بالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ويقال: كان موتها في رمضان.
وقال الواقدي: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي بنت خمس وستين سنة، ثم أسند من حديث حكيم بن حزام أنها توفيت سنة عشر من البعثة بعد خروج بني هاشم من الشعب، ودفنت بالحجون، ونزل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في حفرتها، ولم تكن شرعت الصلاة على الجنائز.
================
سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشية العامرية
أمها الشموس بنت قيس بن زيد الأنصارية من بني عدي بن النجار، كان تزوجها السكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو، فتوفي عنها، فتزوجها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكانت أول امرأة تزوجها بعد خديجة .
رواه ابن إسحاق، وأخرج ابن سعد بسند مرسل رجاله ثقات.
وقد تقدم في ترجمة خديجة أن خولة بنت حكيم قالت: أفلا أخطب عليك؟ قال: بلى. قال: فإنكن معشر النساء أرفق بذلك، فخطبت عليه سودة بنت زمعة وعائشة، فتزوجها؛ فبنى بسودة بمكة وعائشة يومئذ بنت ست سنين حتى بنى بها بعد ذلك حين قدم المدينة .
وأخرجه ابن أبي عاصم موصولا، وسيأتي في ترجمة عائشة .
وأخرج الترمذي عن ابن عباس بسند حسن أن سودة خشيت أن يطلقها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقالت: لا تطلقني وأمسكني، واجعل يومي لعائشة ففعل، فنزلت: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير
وأخرجه ابن سعد من حديث عائشة من طرق في بعضها: أنه بعث إليها بطلاقها، وفي بعضها: أنه قال لها: اعْتَدِّي؛ والطريقان مرسلان، وفيهما: أنها قعدت له على طريقه، فناشدته أن يراجعها وجعلت يومها وليلتها لعائشة ففعل .
ومن طريق معمر، قال: بلغني أنها كلمته فقالت: ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني الله يوم القيامة زوجا لك .
وفي "الصحيح" عن عائشة استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبل حطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة -يعني ثقيلة- فأذن لها، ولأن أكون استأذنته أحب إليَّ من معروج به .
وصح عن عائشة قالت: ما من الناس أحد أحب إليّ أن أكون في مِسْلاخه من سودة؛ إن بها إلا حدة فيها كانت تسرع منها الفيئة
وقال ابن سعد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: قالت سودة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: صليت خلفك الليلة، فركعتَ بي حتى أمسكتُ بأنفي مخافة أن يقطر الدم، فضحك، وكانت تضحكه بالشيء أحيانا . وهذا مرسل، رجاله رجال الصحيح.
وأخرج ابن سعد بسند صحيح، عن محمد بن سيرين أن عمر بعث إلى سودة بغرارة من دراهم، فقالت: ما هذه؟ قالوا: دراهم. قالت: في غرارة مثل التمر! ففرقتها.
وروى ابن المبارك في "الزهد" من مرسل أبي الأسود يتيم عروة: أن سودة قالت: يا رسول الله، إذا متنا صلّى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا أنت. فقال لها: يا بنت زَمْعَة، لو تعلمين عِلْمَ الموت، لعلمتِ أنه أشدُّ ممّا تظنين .
وقال ابن أبي خيثمة: توفيت سودة بنت زمعة في آخر زمان عمر بن الخطاب، ويقال: ماتت سنة أربع وخمسين، ورجحه الواقدي.
روى عنها ابن عباس ويحيى بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة .
=================
عائشة بنت أبي بكر الصديق
تقدم نسبها في ترجمة والدها عبد الله بن عثمان -رضي الله عنهما-، وأمها أم رُومَان بنت عامر بن عويمر الكنانية.
وُلِدَتْ بعد المبعث بأربع سنين أو خمس؛ فقد ثبت في "الصحيح" أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تزوجها وهي بنت ست، وقيل سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السادسة ودخلت في السابعة.
ودخل بها وهي بنت تسع، وكان دخوله بها في شَوَّال في السنة الأولى كما أخرجه ابن سعد، عن الواقدي، عن أبي الرجال، عن أبيه، عن أمه عمرة، عنها، قالت:أُعْرِسَ بي على رأس ثمانية أشهر. وقيل في السنة الثانية من الهجرة.
وقال الزبير بن بكار: تزوّجها بعد موت خديجة؛ قيل بثلاث سنين، قال أبو عمر: كانت تذكر لجبير بن مطعم وتسمى له.
قلت: أخرجه ابن سعد من حديث ابن عباس بسند فيه الكلبي، وأخرجه أيضا عن ابن نمير، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: قال أبو بكر كنت أعطيتها مطعمًا لابنه جبير فدعني حتى أسألها منهم، فاستلبثها.
وفي "الصحيح" من رواية أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، قالت: تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا بنت ست سنين، وبَنَى بي وأنا بنت تِسع، وقُبِضَ وأنا بنت ثمان عشرة سنة .
وأخرج ابن أبي عاصم من طريق يحيى القطان، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن عائشة، قالت: لما توفيت خديجة قالت خولة بنت حكيم بن الأوقص امرأة عثمان بن مظعون وذلك بمكة: أي رسولَ الله، ألا تَزَوَّج؟ قال: مَنْ؟ قالت: إن شئت بِكرًا، وإن شئت ثَيِّبًا؟
قال: فَمَنْ البِكْرُ؟ قالت: بنت أحبّ خلق الله إليك، عائشة بنت أبي بكر. قال: ومَنْ الثيِّب؟ قالت: سودة بنت زمعة آمنت بك واتبعتك. قال: فاذهبي فاذكريهما عليَّ.
فجاءت فدخلت بيت أبي بكر، فوجدت أم رُومَان، فقالت: ما أدخل الله عليكم من الخير والبركة! قالت: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أخطب عليه عائشة. قالت: وددْتُ، انتظري أبا بكر، فجاء أبو بكر فذكرت له، فقال: وهل تصلح له وهي بنت أخيه؟
فرجعت فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: قولي له أنت أخي في الإسلام وابنتك تَحِلُّ لي، فجاء فأنكحه وهي يومئذ بنت ست سنين ، ثم ذكر قصة سودة
وفي "الصحيح" أيضا: لم ينكح بِكْرًا غيرها، وهو متفق عليه بين أهل النقل.
وكانت تكنى أم عبد الله، فقيل إنها ولدت من النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ولدًا فمات طفلا، ولم يثبت هذا، وقيل كناها بابن أختها عبد الله بن الزبير؛ وهذا الثاني ورد عنها من طرقٍ منها عند ابن سعد، عن يزيد بن هارون، عن حماد، عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة، عن عائشة.
قال الشعبي: كان مسروق إذا حدَّث عن عائشة قال: حدثتني الصادقة ابنة الصديق حبيبة حبيب الله.
وقال أبو الضحى، عن مسروق: رأيت مشيخة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض .
وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أَفْقَهَ الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة .
وقال هشام بن عروة، عن أبيه: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة .
وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا .
وقال الزهري: لو جُمِعَ علم عائشة إلى علم جميع أمهات المؤمنين، وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل .
وأسند الزبير بن بكار، عن أبي الزناد، قال: ما رأيت أحدًا أَرْوَى لشعرٍ مِنْ عروة، فقيل له: ما أَرْوَاكَ! فقال: ما روايتي في رواية عائشة؛ ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدتْ فيه شعرًا .
وفي "الصحيح" عن أبي موسى الأشعري -مرفوعا: فضل عائشة على النساء كفضل الثَّرِيدِ على سائر الطعام .
وفي "الصحيح" من طريق حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: كان الناس يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يومَ عائشة، قالت: فاجتمع صَواحِبِي إلى أمِّ سلمة ... ، فذكر الحديث، وفيه: فقال في الثالثة: لا تُؤذُوني في عائشة؛ فإنه واللَّهِ ما نزل عليَّ الوحْيُ وأنا في لَحَافِ امرأةٍ مِنْكُنَّ غيرَها .
وأخرج الترمذي من طريق الثوري، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن غالب أن رجلا نال من عائشة عند عمّار بن ياسر، فقال: اعْزُبْ مَقْبُوحًا، أتؤذي محبوبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- .
وأخرجه ابن سعد من وجه آخر، عن أبي إسحاق، عن حميد بن عريب نحوه؛ وقال: مقبوحًا مَنْبُوحًا، وزاد: إنها لزوجته في الجنة .
وعن مرسل مسلم البطين، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: عائشة زوجتي في الجنة ، ومن طريق أبي محمد مولى الغِفَاريين أن عائشة قالت: يا رسول الله، مَنْ أزواجُكَ في الجنة؟ قال: أنت منهنَّ .
ومن طريق أبي إسحاق، عن سفيان بن سعد، قال: زاد عمرُ عائشةَ على أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي "صحيح البخاري" من طريق ابن عون، عن القاسم بن محمد -أن عائشة اشتكت فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين، تقدميني على فرط صدق... الحديث .
وقال ابن سعد: أخبرنا هشام هو ابن عبد الملك الطيالسي، حدثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن عائشة، قالت: أُعْطِيتُ خِلالاً ما أُعْطِيَتْهَا امرأةٌ: مَلَكَنِي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنا بنت سبع، وأتاهُ المَلَكُ بِصُورتي في كفِّه لينظرَ إليها، وبَنَى بي لتِسْعٍ، ورأيت جِبْرَائِيلَ، وكنت أحبَّ نسائِهِ إليه، ومَرَّضْتُهُ فَقُبِضَ ولم يشهدْهُ غيري والملائكة
وأورد من وجه آخر فيه عيسى بن ميمون -وهو واهٍ- قالت عائشة: فُضِّلْتُ بِعَشْرٍ... فذكرت مجيء جبريل بصُورتها .
قالت: ولم ينكِحْ بكرًا غيري، ولا امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله براءتي من السماء، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، وكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، وقبض بين سَحْرِي ونَحْرِي في بيتي وفي ليلتي، ودفن في بيتي .
وأخرج ابن سعد من طريق أم درة، قالت: أتيتُ عائشة بمائة ألفٍ ففرقتها، وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه؟ فقالت: لو كنت أذكرتِني لفعلتُ .
روت عائشة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- الكثير الطيب، وروت أيضا عن أبيها، وعن عمر، وفاطمة، وسعد بن أبي وقّاص، وأسيد بن حضير، وجذامة بنت وهب، وحمزة بنت عمرو .
وروى عنها من الصحابة عمر، وابنه عبد الله، وأبو هريرة، وأبو موسى، وزيد بن خالد، وابن عباس، وربيعة بن عمرو الجرشي، والسائب بن يزيد، وصفية بنت شيبة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وغيرهم .
ومن آل بيتها أختها أم كلثوم، وأخوها من الرَّضاعة عوف بن الحارث، وابن أخيها القاسم، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وبنت أخيها الآخر حفصة، وأسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وحفيده عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن، وابنا أختها عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام مِنْ أسماء بنت أبي بكر، وحفيدا أسماء عباد وحبيب ولدا عبد الله بن الزبير، وحفيد عبد الله عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وبنت أختها عائشة بنت طلحة من أم كلثوم بنت أبي بكر
ومواليها أبو عمر، وذكوان، وأبو يونس، وابن فروخ.
ومن كبار التابعين سعيد بن المسيب، وعمرو بن ميمون، وعلقمة بن قيس، ومسروق، وعبد الله بن حكيم، والأسود بن يزيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو وائل، وآخرون كثيرون .
ماتت سنة ثمان وخمسين في ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان عند الأكثر، وقيل سنة سبع؛ ذكره علي بن المديني، عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة، ودُفِنَتْ بالبقيع .
======================
حفصة بنت عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
هي أم المؤمنين تقدم نسبها في ذكر أبيها وأمها زينب بنت مظعون .
وكانت قبل أن يتزوجها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عند خنيس بن حذافة ، وكان ممن شهد بدرا، ومات بالمدينة فانقضت عدتها، فعرضها عمر على أبي بكر فسكت، فعرضها على عثمان حين ماتت رقية بنت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: ما أريد أن أتزوج اليوم، فذكر ذلك عمر لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: يتزوج حفصة من هو خير من عثمان ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة، فلقي أبو بكر عمر فقال: لا تجد علي؛ فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ذكر حفصة، فلم أكن أفشي سر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولو تركها لتزوجتها .
وتزوج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حفصة بعد عائشة أخرجه ابن سعد، وهذا لفظه في بعض طرقه، وأصله في الصحيح من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر قال أبو عبيدة سنة اثنتين من الهجرة، وقال غيره: سنة ثلاث وهو الراجح؛ لأن زوجها قتل بأحد سنة ثلاث.
وقيل: إنها ولدت قبل المبعث بخمس سنين، أخرجه ابن سعد بسند فيه الواقدي، روت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وعن عمر . روى عنها أخوها عبد الله وابنه حمزة وزوجته صفية بنت أبي عبيد ومن الصحابة فمن بعدهم حارثة بن وهب ، والمطلب بن أبي وداعة وأم مبشر الأنصارية وعبد الرحمن بن الحارث بن هاشم ، وعبد الله بن صفوان بن أمية وآخرون.
قال أبو عمر: طلقها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- تطليقة ثم ارتجعها، وذلك أن جبريل قال له: أرجع حفصة فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة أخرجه ابن سعد من طريق أبي عمران الجوني، عن قيس بن زيد- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكره وهو مرسل.
وأخرج عن عثمان بن أبي شيبة عن حميد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- طلق حفصة، ثم أمر أن يراجعها، روى موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر، قال: طلق رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حفصة بنت عمر فبلغ ذلك عمر فحثى التراب على رأسه، وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر أخرجه.
وفي رواية أبي صالح: دخل عمر على حفصة وهي تبكي فقال: لعل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد طلقك إنه كان قد طلقك مرة، ثم راجعك من أجلى فإن كان طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا أخرجه أبو يعلى.
قال أبو عمر: أوصى عمر إلى حفصة، وأوصت حفصة إلى أخيها عبد الله بما أوصى به إليها عمر بصدقة تصدقت بها بالغابة، وأخرج ابن سعد من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أوصى عمر إلى حفصة، وأخرج بسند صحيح عن نافع قال: ما ماتت حفصة حتى ما تفطر، وبسند فيه الواقدي إلى أبي سعيد المقبري، ورأيت مروان بين أبي هريرة وأبي سعيد أمام جنازة حفصة، ورأيت مروان حمل بين عمودي سريرها من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة، وحمل أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها.
قيل: ماتت لما بايع الحسن معاوية وذلك في جمادي الأولى سنة إحدى وأربعين وقيل: بل بقيت إلى سنة خمس وأربعين، وقيل: ماتت سنة سبع وعشرين حكاه أبو بشر الدولابي وهو غلط، وكأنه قائله أسنده إلى ما رواه ابن وهب عن مالك أنه قال: ماتت حفصة عام فتحت إفريقية، ومراده فتحها الثاني الذي كان على يد معاوية بن خديج، وهو في سنة خمس وأربعين، وأما الأول الذي كان في عهد عثمان فهو الذي كان في سنة سبع وعشرين فلا، والله أعلم.
=================
أم سلمة بنت أبي أمية
هند بنت أبي أمية -واسمه حذيفة وقيل سهل- ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية أم المؤمنين أم سلمة
مشهورة بكنيتها معروفة باسمها، وشذ من قال: إن اسمها رملة.
وكان أبوها يلقب زاد الركب؛ لأنه كان أحد الأجواد، فكان إذا سافر لم يحمل أحد معه من رفقته زادا، بل هو كان يكفيهم.
وأمها عاتكة بنت عامر ، كنانية من بني فراس، وكانت تحت أبي سلمة بن عبد الأسد ، وهو ابن عمها، وهاجرت معه إلى الحبشة، ثم هاجرت إلى المدينة، فيقال: إنها أول ظعينة دخلت إلى المدينة مهاجرة .
ولما مات زوجها من الجراحة التي أصابته خطبها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وأخرج ابن أبي عاصم من طريق عبد الواحد بن أيمن، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة قالت:
لما خطبني النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قلت له: فيَّ خلال ثلاث، أما أنا فكبيرة السن، وأنا امرأة معيل، وأنا امرأة شديدة الغيرة. فقال: أنا أكبر منك، وأما العيال فإلى الله، وأما الغيرة فأدعو الله فيذهبها عنك. فتزوجها، فلما دخل عليها قال: إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي. فرضيت بالثلاث . والحديث في الصحيح من طرق.
وأخرج ابن سعد، من طريق عاصم الأحول، عن زياد بن أبي مريم قال: قالت أم سلمة لأبي سلمة :
بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة، وكذا إذا ماتت امرأة وبقي الرجل بعدها؛ فتعال أعاهدك أن لا أتزوج بعدك، ولا تتزوج بعدي.
قال: أتطيعيني؟ قالت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك. قال: فإذا مت فتزوجي. ثم قال: اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني لا يخزيها ولا يؤذيها.
قالت: فلما مات قلت: من هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة ؟! فلبثت ما لبثت، ثم تزوجني رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- .
وفي الصحيح، عن أم سلمة أن أبا سلمة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي وآجرني فيها". وأردت أن أقول: "وأبدلني بها خيرا منها" فقلت: من هو خير من أبي سلمة ؟ فما زلت حتى قلتها... فذكرت القصة.
وقال ابن سعد: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث الفراسية قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: إن لعائشة مني شعبة ما نزلها مني أحد. فلما تزوج أم سلمة سئل: ما فعلت الشعبة؟ فعرف أن أم سلمة قد نزلت عنده .
وقال: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة لما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكر لنا في جمالها.
قالت: فتلطفت لها حتى رأيتها، فرأيتها أضعاف ما وصف لي في الحسن والجمال، فقالت حفصة: والله إن هذا إلا الغيرة، فتلطفت لها حفصة حتى رأتها، فقالت لي: لا والله ما هي كما تقولين، وإنها لجميلة، قالت: فرأيتها بعد، فكانت كما قالت حفصة .
روت أم سلمة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وآله وسلم كثيرا، وعن أبي سلمة ، وروى عنها أولادها: عمر وزينب، ومكاتبها نبهان، وأخوها عامر بن أبي أمية، ومواليها عبد الله بن رافع، ونافع، وسفينة، وأبو كثير، وسليمان بن يسار.
وروى عنها أيضا ابن عباس، وعائشة، وأبو سعيد الخدري، وقبيصة بن ذؤيب، ونافع مولى ابن عمر، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وآخرون.
قال الواقدي: ماتت في شوال سنة تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة ولها أربع وثمانون سنة، كذا قال.
وتلقاه عنه جماعة، وليس بجيد؛ فقد ثبت في صحيح مسلم أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان دخلا على أم سلمة في ولاية يزيد بن معاوية، فسألاها عن الجيش الذي يخسف به... الحديث. وكانت ولاية يزيد بعد موت أبيه في سنة ستين.
وقال ابن حبان: ماتت في آخر سنة إحدى وستين، بعدما جاءها الخبر بقتل الحسين بن علي.
قلت: وهذا أقرب. قال محارب بن دثار: أوصت أم سلمة أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وكان أمير المدينة يومئذ مروان بن الحكم، وقيل: الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.
قلت: والثاني أقرب؛ فإن سعيد بن زيد مات قبل تاريخ موت أم سلمة على الأقوال كلها، فكأنها كانت أوصت بأن يصلي سعيد عليها في مرضة مرضتها، ثم عوفيت، ومات سعيد قبلها.
===============
أم حبيبة بنت أبي سفيان
رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموية زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تكنى أم حبيبة، وهي بها أشهر من اسمها، وقيل: بل اسمها هند ورملة أصح، أمها صفية بنت أبي العاص بن أمية
ولدت قبل البعثة بسبعة عشر عاما، تزوجها حليفهم عُبَيْد الله -بالتصغير- بن جحش بن رئاب بن يعمر الأسدي من بني أسد بن خزيمة، فأسلما، ثم هاجرا إلى الحبشة فولدت له حبيبة، فبها كانت تكنى، وقيل: إنما ولدتها بمكة، وهاجرت وهي حامل بها إلى الحبشة، وقيل ولدتها بالحبشة.
وتزوج حبيبة داود بن عروة بن مسعود، ولما تنصر زوجها عبيد الله بن جحش، وارتد عن الإسلام فارقها، فأخرج ابن سعد من طريق إسماعيل بن عمرو بن سعيد الأموي قال: قالت أم حبيبة: رأيت في المنام كأن زوجي عبيد الله بن جحش بأسوأ صورة، ففزعت، فأصبحت، فإذا به قد تنصر، فأخبرته بالمنام فلم يحفل به، وأكب على الخمر حتى مات، فأتاني آت في نومي فقال: يا أم المؤمنين ففزعت، فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن، فإذا هي جارية له يقال لها أبرهة، فقالت: إن الملك يقول لك وكلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص بن أمية فوكلته، فأعطيت أبرهة سوارين من فضة، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه، وتشهد، ثم قال: أما بعد فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت، وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير، فخطب خالد فقال: قد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وزوجته أم حبيبة، وقبض الدنانير، وعمل لهم النجاشي طعاما، فأكلوا.
قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أعطيت أبرهة منه خمسين دينارا، قالت: فردتها علي، وقالت: إن الملك عزم علي بذلك، وردت علي ما كنت أعطيتها أولا، ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير، فقدمت به معي على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- .
وروى ابن سعد أن ذلك كان سنة سبع، وقيل: كان سنة ست، والأول أشهر ومن طريق الزهري أن الرسول إلى النجاشي بعث بها مع شرحبيل بن حسنة، ومن طريق أخرى أن الرسول إلى النجاشي بذلك كان عمرو بن أمية الضمري .
وحكى ابن عبد البر أن الذي عقد لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عليها عثمان بن عفان ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون قال: لما بلغ أبا سفيان أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- نكح ابنته قال: هو الفحل لا يقدع أنفه.
وذكر الزبير بن بكار بسند له، عن إسماعيل بن عمرو بن أمية، عن أم حبيبة نحو ما تقدم، وقيل: نزلت في ذلك: عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وهذا بعيد، فإن ثبت فيكون العقد عليها كان قبل الهجرة إلى المدينة، أو يكون عثمان جدده بعد أن قدمت المدينة، وعلى ذلك يحمل قول من قال: إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما تزوجها بعد أن قدمت المدينة.
روى ذلك عن قتادة، قال: وعمل لهم عثمان وليمة لحم، وكذا حكى عن عقيل، عن الزهري، وفيما ذكر عن قتادة رد على دعوى ابن حزم الإجماع على أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما تزوج أم حبيبة وهي بالحبشة.
وقد تبعه على ذلك جماعة آخرهم أبو الحسن بن الأثير في أسد الغابة، فقال: لا اختلاف بين أهل السير في ذلك إلا ما وقع عند مسلم أن أبا سفيان لما أسلم طلب منه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يزوجه إياها، فأجابه إلى ذلك، وهو وهم من بعض الرواة، وفي جزمه بكونه وهما نظر، فقد أجاب بعض الأئمة باحتمال أن يكون أبو سفيان أراد تجديد العقد، نعم لا خلاف أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- دخل على أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان .
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري قال: قدم أبو سفيان المدينة، فأراد أن يزيد في الهدنة، فدخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- طوته دونه فقال: يا بنية أرغبت بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ قالت: بل هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأنت امرؤ نجس مشرك فقال: لقد أصابك بعدي شر .
أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا عبد الله بن جعفر، عن عبد الواحد بن أبي عون قال: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ابنته قال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه.
روت أم حبيبة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أحاديث، وعن زينب بنت جحش أم المؤمنين روت عنها بنتها حبيبة وأخواها معاوية، وعتبة وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان، وأبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس الثقفي، وهو ابن أختها ومولياها سالم بن سوال وأبو الجراح وصفية بنت شيبة وزينب بنت أم سلمة ، وعروة بن الزبير وأبو صالح السمان وآخرون.
وأخرج ابن سعد من طريق عوف بن الحارث، عن عائشة قالت: دعتني أم حبيبة عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فتحللينني من ذلك فحللتها، واستغفرت لها، فقالت لي: سررتني سرك الله، وأرسلت إلى أم سلمة بمثل ذلك، وماتت بالمدينة سنة أربع وأربعين، جزم بذلك ابن سعد وأبو عبيد.
وقال ابن حبان وابن قانع: سنة اثنتين، وقال ابن أبي خيثمة: سنة تسع وخمسين، وهو بعيد والله أعلم.
====================
زينب بنت جحش الأسدية؛ أم المؤمنين، زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
تقدم نسبها في ترجمة أخيها عبد الله، وأمها أمية عمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- تزوجها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سنة ثلاث، وقيل: سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وفيها نزلت: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها
وكان زيد يدعى بن محمد، فلما نزلت: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وتزوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- امرأته بعده، انتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذي يتبنى غيره يصير ابنه، بحيث يتوارثان إلى غير ذلك.
وقد وصفت عائشة زينب بالوصف الجميل في قصة الإفك، وأن الله عصمها بالورع، قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وكانت تفخر على نساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بأنها بنت عمته، وبأن الله زوجها له، وهن زوجهن أولياؤهن.
وفي خبر تزويجها عند ابن سعد من طريق الواقدي بسند مرسل: فبينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتحدث عند عائشة إذ أخذته غشية، فسرى عنه، وهو يتبسم ويقول: من يذهب إلى زينب يبشرها؟ وتلا: "وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله..." الآية، قالت عائشة فأخذني ما قرب وما بعد لما يبلغنا من جمالها، وأخرى هي أعظم وأشرف ما صنع لها، زوجها الله من السماء وقلت: هي تفخر علينا بهذا .
وبسند ضعيف عن ابن عباس لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لها، سجدت ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون قالت زينب: يا رسول الله إني والله ما أنا كإحدى نسائك، ليست امرأة من نسائك إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري زوجنيك الله من السماء .
ومن حديث أم سلمة بسند موصول فيه الواقدي أنها ذكرت زينب، فترحمت عليها، وذكرت ما كان يكون بينها وبين عائشة فذكرت نحو هذا قالت أم سلمة وكانت لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- معجبة، وكان يستكثر منها، وكانت صالحة صوامة قوامة صناعا، تصدق بذلك كله على المساكين.
وذكر أبو عمر كان اسمها برة، فلما دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سماها زينب روت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أحاديث، روى عنها ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، ولهم صحبة، وكلثوم بنت المصطلق ومذكور مولاها وغيرهم.
قال الواقدي: ماتت سنة عشرين، وأخرج الطبراني من طريق الشعبي أن عبد الرحمن بن أبزى أخبره أنه صلى مع عمر على زينب بنت جحش، وكانت أول نساء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ماتت بعده، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من طريق عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أسرعكن لحاقا بي، أطولكن يدا، قال فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت: وكانت أطولنا يدا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها، وتتصدق .
ومن طريق يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة نحو المرفوع قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نمد أيدينا في الجدار نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذ أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صناع اليدين، فكانت تدبغ، وتخرز، وتتصدق به في سبيل الله.
وروينا في القطعيات من طريق شهر بن حوشب، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة بنت الحارث قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم يقسم ما أفاء الله عليه في رهط من المهاجرين، فتكلمت زينب بنت جحش، فانتهرها عمر فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: خل عنها يا عمر فإنها أواهة .
وأخرج ابن سعد بسند فيه الواقدي، عن القاسم بن محمد، قال: قالت زينب حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كفني، وإن عمر سيبعث إلي بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي فافعلوا .
ومن وجه آخر عن عمرة قالت: بعث عمر بخمسة أثواب يتخيرها ثوبا ثوبا من الحراني، فكفنت منها، وتصدقت عنها أختها حمنة بكفنها الذي كانت أعدته، قالت عمرة: فسمعت عائشة تقول: لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل.
وأخرج بسند فيه الواقدي، عن محمد بن كعب كان عطاء زينب بنت جحش اثنى عشر ألفا لم تأخذه إلا عاما واحدا، فجعلت تقول: اللهم لا يدركني هذا المال من قابل فإنه فتنة ، ثم قسمته في أهل رحمها، وفي أهل الحاجة، فبلغ عمر فقال: هذه امرأة يراد بها خير، فوقف عليها وأرسل بسلام.
وقال: بلغني ما فرقت فأرسل بألف درهم تستبقيها، فسلكت به ذلك المسلك، وتقدم في ترجمة برة بنت رافع في القسم الرابع من حرف الباء الموحدة نحو هذه القصة مطولا، قال الواقدي: تزوجها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهي بنت خمس وثلاثين سنة، وماتت سنة عشرين، وهي بنت خمسين، ونقل عن عمر بن عثمان الحجبي أنها عاشت ثلاثا وخمسين.
============
زينب بنت خزيمة بن عبد الله بن عمر بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية أم المؤمنين زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
وكانت يقال لها: أم المساكين؛ لأنها كانت تطعمهم، وتتصدق عليهم، وكانت تحت عبد الله بن جحش، فاستشهد بأحد، فتزوجها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وقيل: كانت تحت الطفيل بن الحارث بن المطلب، ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث، وكانت أخت ميمونة بنت الحارث لأمها، وكان دخوله -صلى الله عليه وآله وسلم- بها بعد دخوله على حفصة بنت عمر، ثم لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة وماتت.
قال ابن الأثير: ذكر ذلك ابن منده في ترجمتها حديث: أولكن لحاقا بي أطولكن يدا ... الحديث، وقد تقدم في ترجمة زينب بنت جحش، وهو بها أليق؛ لأن المراد بلحوقهن به موتهن بعده، وهذه ماتت في حياته، وهو تعقب قوي.
وقال ابن الكلبي: كانت عند الطفيل بن الحارث، فطلقها، فخلف عليها أخوه، فقتل عنها ببدر، فخطبها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى نفسها، فجعلت أمرها إليه، فتزوجها في شهر رمضان سنة ثلاث، فأقامت عنده ثمانية أشهر، وماتت في ربيع الآخر سنة أربع.
قلت: ذكر ابن سعد في ترجمة أم سلمة بسند منقطع عنها في خطبة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لها قال: قالت: فتزوجني فنقلني إلى بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت.
وذكر الواقدي أن عمرها كان ثلاثين سنة، وأخرج ابن سعد في ترجمتها، عن إسماعيل بن أبي أويس، عن عبد العزيز بن محمد، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن الهلالية التي كانت عند النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنها كانت لها خادم سوداء فقالت: يا رسول الله أردت أن أعتق هذه فقال لها: ألا تفدين بها بني أخيك أو بني أختك من رعاية الغنم .
قلت: وهذا خطأ فإن صاحب هذه القصة هي ميمونة بنت الحارث وهي هلالية، وفي الصحيح نحو هذا من حديثها، وقد ذكر ابن سعد نحوه في ترجمة ميمونة من وجه آخر.
===================
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن جذيمة
وهو المصطلق بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو الخزاعية المصطلقية، لما غزا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بني المصطلق غزوة المريسيع في سنة خمس أو ست، وسباهم وقعت جويرية وكانت تحت مسافع بن صفوان المصطلقي في سهم ثابت بن قيس .
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عمه عروة بن الزبير عن خالته عائشة قالت:
لما قسم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سبايا بني المصطلق وقعت جويرية في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- تستعينه في كتابتها.
قالت عائشة فوالله ما هي إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت: يرى منها ما قد رأيت فلما دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من البلايا ما لم يخف عليك، وقد كاتبت على نفسي فأعني على كتابتي، فقال: أوخير من ذلك؟ أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك فقالت: نعم ففعل ذلك.
فبلغ الناس أنه قد تزوجها فقالوا: أصهار رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق، فلقد أعتق الله بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها .
وأخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له عن عائشة نحوه، لكن سمى زوجها صفوان بن مالك، ومن طريق شعبة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس قال: كان اسم جويرية برة فسماها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- جويرية .
وأخرج الترمذي من طريق شعبة بهذا الإسناد إلى ابن عباس عن جويرية بنت الحارث أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مر عليها وهي في مسجدها، ثم مر عليها قريبا من نصف النهار فقال: ما زلت على ذلك قالت: نعم قال: ألا أعلمك كلمات تقولينهن سبحان الله عدد خلقه ... الحديث.
ووقع لنا بعلو في المعرفة لابن منده وسنده صحيح ومن مرسل أبي قلابة قال: سبى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جويرية يعني وتزوجها فجاءها أبوها فقال: إن بنتي لا يسبى مثلها فخل سبيلها، فقال: أرأيت إن خيرتها أليس قد أحسنت؟ قال: بلى. فأتاها أبوها فذكر لها ذلك فقالت: اخترت الله ورسوله وسنده صحيح.
وروت جويرية عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أحاديث، روى عنها ابن عباس وجابر وابن عمر وعبيد بن السباق والطفيل ابن أخيها وغيرهم.
وذكر ابن إسحاق أن زوجها الأول كان يقال له ابن ذي الشقر، وسماه الواقدي مسافع بن صفوان بن ذي الشقر بن أبي السرح، وقتل يوم المريسيع وفي صحيح البخاري عن جويرية:
أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- دخل عليها يوم جمعة وهي صائمة فقال: أصمت أمس قالت: لا قال فتصومين غدا قالت: لا قال: فأفطري .
وعند مسلم من طريق الزهري عن عبيد بن السباق عن جويرية بنت الحارث قالت: دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: هل من طعام ... الحديث، وفي صحيح مسلم: كان اسمها برة فسماها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جويرية كره أن يقال خرج من عند برة .
قيل: ماتت سنة خمسين من الهجرة، وقيل: بقيت إلى ربيع الأول سنة ست وخمسين قاله الواقدي قال: وصلى عليها مروان وقيل: عاشت خمسا وستين سنة.
================
صفية بنت حُيّي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبة بن عبيد بن كعب بن أبي حبيب، من بني النضير وهو من سبط لاوَى بن يعقوب، ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام.
كانت تحت سلام بن مشكم، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، فقتل كنانة يوم خيبر، فصارت صفية مع السَّبْي ،فأخذها دحية ثم استعادها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فأعتقها وتزوجها.
ثبت ذلك في "الصحيحين" من حديث أنس مطولا ومختصرا.
وقال ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير، عنه حدثني والدي إسحاق بن يسار، قال: لمّا فتح رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الغموص حصن بني أبي الحُقَيْق أتى بصفية بنت حيي ومعها ابنة عم لها جاء بهما بلال، فمر بهما على قتلى يهود، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكت وجهها، وصاحت وحثت التراب على وجهها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: أعزبوا هذه الشيطانة عني، وأمر بصفية فجُعلت خلفه، وغطى عليها ثوبه فعرف الناس أنه اصطفاها لنفسه، وقال لبلال أَنُزِعَتْ الرحمة من قلبك حين تَمُرُّ بالمرأتين على قَتْلاهُمَا؟ .
وكانت صفية رأت قبل ذلك أن القمر وقع في حِجرها، فذكرت ذلك لأمها فلطمت وجهها، وقالت: إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب، فلم يزل الأثر في وجهها حتى أتى بها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فسألها ع